الفقر جميل وانا إنسان

الفقر جميل ..وأنا إنسان..!
اشتهر إسماعيل ياسين في أفلامه بخفة الظل،وكان يتقمص في أفلامه دور الإنسان البسيط الغلبان الذي تغلب عليه السذاجة ويتعامل بتلقائية،فيكسب تعاطف الناس معه.
وكانت مونولوجاته تعبيرا عن الشارع المصري والمشكلات الاجتماعية ومايعانيه الناس في شئونهم الحياتية،فاكتسب حب الناس الذين تفاعلوا مع هذه المونولوجات التي عبرت عنهم وعن مشكلاتهم وتطلعاتهم وأحلامه.
وفي أحد مونولوجاته يقول:الفقر جميل وأنا إنسان....اللهم افقرني كمان وكمان واغني عدويني.....فيرد عليه الموسيقيون: اللهم آمين
للوهلة الأولي قد تسخر من هذا المونولوج وعلي سذاجة سمعة وتقول:قصر ديل يا أزعر....هل هناك من يتمني الفقر ويدعو الله أن يفقره كمان وكمان... فهذا ليس ولافي الأحلام......!!!!
أية سذاجة وسخافة تلك التي يرددها وكأنه يريد ان يقنعنا أنه راض بفقره ،حامدا الله علي نعمة الفقر كما يدعي ويريد أن يقنعنا بسعادته التي ينعم بها في الفقر ....فالكل يمني نفسه بالغني لتحقيق مايريد،ويغنيه عن سؤال الغير،وخصوصا في ظل الظروف الطاحنة التي نعيشها من انفلات الأسعار والجشع والطمع الذي يسيطر علي التجار
عندما نبحث وراء هذه الكلمات فنعلم أنها توحي بالرضا والقناعة اللذين يسيطران علي الإنسان ،ويجعلانه قانعا بما قسمه الله عز وجل له،حامدا شاكرا ربه علي نعمة الصحة والعافية ،وأحيانا يكون الفقر نعمة بصاحبه...والغني نقمة علي صاحبه.
والحياة تعلمنا كثيرا...فأنور وجدي الذي ملأ الدنيا بأفلامه وامتلأت جيوبه بالأموال...طلب المال والنجومية....فجاءه المال والنجومية، ولكنه فقد الصحة،وحرم من الاستمتاع بماله،فتعتل صحته عندما يقرب قرص طعمية من فمه،ويصبح جليس المستشفي، وعلي الرغم أنه يستطيع شراء طيوب الطعام،لكنه محروم من التمتع به ويستمتع به الفقير الذي لايمتلك المال لشراء مايريد.
والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ امتلك الصوت الجميل والأموال والشهرة كان يقيم الولائم وينصب الموائد ويكتفي بدور المشاهد،لأنه حرم من التمتع بما عند غيره...وغيرهما من الذين ملكوا الأموال ولم يستمتعوا بها واستمتع بها غيرهم ...فالمال وحده لا يجلب السعادة....وكم من غني امتلك المال وسيطر علي الناس وحرم من التمتع به ....وكم من فقير حرم من المال لكنه امتلك السعادة لأنه قانع وراض بما قسمه الله له.
لكن تري هل تصلح فلسفة إسماعيل ياسين في الرضا بالفقر وعدم السخط والرضا بالقليل في هذا الزمن الذي نعيش فيه ....؟..أعتقد لا....!
سيطرت علينا حالة من عدم القناعة والرضا والسخط علي كل شيء،وسيطر علي فئة منا الجشع والطمع، وأصبحنا نشكو ونصرخ من كثرة النفقات وارتفاع الأسعارالتي أصبحت جحيما وغولا لايرحم بسبب وقوعنا تحت رحمة من لا يخافون الله،ويريدون انتفاخ جيوبهم علي أشلاء هذا الشعب المسكين الذي لم يعد في قدرته التحمل اكثر من ذلك .
لم نكد ننتهي من فواتير الغاز والكهرباء والتليفونات وإيجار المسكن ونفقات المعيشة والمدرسة والمواصلات ,حتي تقصم الأسعار ظهورنا....إلخ ،فاندفعنا إلي دائرة مغلقة استحكمت حلقاتها ولا أمل في الانفراجة أبدا ،لأننا تعودنا في مصرعلي الارتفاع غير المبرر باستمرار في كل شيء بحجج واهية لا تمت للواقع بصلة دون مراعاة لظروف الشعب المسكين ،مما أفقدنا الثقة والأمل في وعود المسئولين الذين يمنونا بالوعود الكثيرة التي لا تتحقق.
كنا قانعين راضين بأقل شيء،لأن القليل كان متوفرا، وكانت هناك الرقابة والسيطرة والكل يعيش.
غابت الرقابة وسيطرت العشوائية والرشوة،فظهرت فئة التجار المنتفعين الذين يتاجرون بدماء الشعب ،ويمكن أن نطلق عليهم أغنياء الحروب الذين يستغلون الأزمات وتكتنز جيوبهم وتمتليء كروشهم علي حساب الأزمات،فأولئك لعنهم الله ورسوله في الدنيا ،لأنهم جعلوا الحياة ظلاما في مصر،وتسببوا في أزمات غير مبررة لا مثيل لها في بلدان العالم حتي التي تنتشرفيها المجاعات،لأن هذه الدول ليس بها موارد تعتمد عليها ،أما نحن فالخيرات موجودة والثروات موجودة....لكن أين الضمير الذي غاب عن الذين لايملكون الضمير....؟